المسيح في الجولان - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


المسيح في الجولان
نضال الشوفي - 28\04\2008

مباغت عنوان الكتاب بقدر ما كانت المعلومات التي ألقاها الباحثان، تيسير خلف، وعز الدين سطاس، مباغتة ومثيرة للحضور في ندوة ألقيت في قاعة كنيسة سيدة دمشق، وتقرر على أثرها طباعة المحاضرة في كتاب مستقل، وترجمته إلى اللغات الرئيسية.
يقول الأب الياس زحلاوي: "قد يتبادر إلى ذهن البعض أن في الأمر، إما استغلالاً سياسياً لأمر ديني، وإما استغلالاً دينياً لأمر سياسي، إلا أن الحقيقة ليست في هذا ولا في ذاك."فمنطلق الكاتبان أن أرض الجولان لعبت دوراً بالغ الأهمية في مسيرة يسوع، وتبلور الفكر المسيحي، وانتشاره، إلى درجة تجعل من الجولان أرضاً مقدسة، وشاهداً مهماً على انتقال الإنسان من العصور الوثنية، إلى العصر المسيحي. لذلك يمهدان بشكل سريع، وبالاعتماد على الكتاب المقدس، والمكتشفات الأثرية، إلى التاريخ الحافل في الجولان منذ العصر الحجري القديم المتمثل بلقا محيط بركة رام، المقدر تاريخها بربع مليون سنة. ويتابع الكاتبان استعراض أشكال استيطان الإنسان، ونشاطاته في هذه البقعة، بتتابع العصور المختلفة: الكالكوليتي، ثم البرونزي، ثم الحديدي، ثم العصور التاريخية اللاحقة حتى اليوم. لكن أكثر ما يستوقفهما، هي العصور الكلاسيكية (يوناني، روماني، بيزنطي) بوصفها منطلقاً لبدء ازدهار المدن الرئيسية في الجولان، وظهور المسيح، والمسيحية فيها، ثم انتشار هذه الديانة في أوقات لاحقة بشكل واسع.
ويعود الكاتبان بتاريخ المسيحية، على هذه الأرض، إلى جذور العلاقة التي جمعت يوسف النجار بصديقه زبدي، والد الأخوين يعقوب ويوحنا، ومن ثم لقاء السيد المسيح بهذين الأخوين على طريق الحج إلى القدس، وتوطيد العلاقة معهما، إضافة للأخوين سمعان وأندراوس ، أبناء يونا، وأيضاً فيليب، والخمسة من مدينة بيت صيدا على شاطئ طبريا، وتحولوا فيما بعد ليصبحوا من تلاميذ السيد المسيح الإثنا عشر.
يلقي موضوع هؤلاء الخمسة، الضوء على أهمية مدينة بيت صيدا، التي كانت منطلق تجوال يسوع في ربوع الجولان، وفيها حقق العديد من المعجزات، كالمشي على وجه الماء، وتهدئة العاصفة العاتية في بحيرة طبريا، ومعجزة شفاء الرجل الأعمى، ومعجزة إشباع خمسة آلاف رجل بخمسة أرغفة وسمكتين.
أما في مدينة بانياس، فقد اعترف سمعان أن يسوع هو المسيح، فقال له يسوع: " أنت صخر، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات" . ومن هنا جاء اسم بطرس، الذي لقب به سمعان، ويعني الصلابة. لقد تحولت بانياس فيما بعد، أي في القرن الرابع إلى مركز أسقفية، ولقبت بألقاب عديدة من مثل: "المدينة العظيمة"، و "مدينة الله". وفيها قام السيد المسيح بمعجزة إبراء نازفة الدم، فيرونيكا بحسب إنجيل نيقاديموس .
لا يكتفي الكتاب بالآثار المسيحية في هاتين المدينتين، إذ أنه يلقي نظرة عامة على العديد من المدن والمواقع الجولانية، بتفصيل تاريخها بعض الشيء، ثم التركيز على الآثار المسيحية فيها، والدور الذي لعبته.
ففي معرض الحديث عن مدينة سوسيتا (هيبوس)، شرحاً وافياً حول الكنائس الرئيسية الأربعة، مرفقاً برسوم تخطيطية لها.
وفي موقع الكرسي، المطل على بحيرة طبريا، حيث جمع السيد المسيح الحواريين بها، وأنفذهم منها إلى النواحي، يتطرق الكاتبان إلى أصول التسمية، ويوجزان شرحاً حول تاريخ المكان ، وطبوغرافيته، وزيارة يسوع إليه، والمعجزة التي قام بها هناك بطرد الشياطين منها.
وفي موقع الحمة يتسع الشرح حول المرافق التاريخية القائمة، خاصة حمامات المياه المعدنية، التي زارها الرسول بولوس أثناء رحلته من دمشق إلى القدس.
ويختتم الكتاب بتعاريف سريعة، بمواقع مسيحية أخرى : كخسفين، والرفيد، والرمثانية، والصرمان، وجويزه، ودوير اللوز، وبريقه. ما يعكس الانتشار الواسع للديانة المسيحية على أرض الجولان، برغم محاربة الوثنية لها، زمناً طويلاً، حتى جاء الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير، وأطلق الحرية للدين المسيحي في العام 312م ، فتحولت منطقة الجولان برمتها، من الوثنية إلى المسيحية، بمساهمة ملوك وأمراء الغساسنة.
وتزيد من الدلالة على كثافة الحضور المسيحي في الجولان، كثرة الأديرة والأبرشيات. يعدد الكاتبان بعضاً منها، كديرعزيز، ودير قروح، وديرمفضل، ودير سراس، ودير الراهب، ودوير بان، وتل الدوير، ودوير اللوز، ودير فيق، الذي كان آهلاً بالرهبان، في أيام ياقوت الحموي ( 1179 _ 1229 م ) أي في العصر الأيوبي، ويعتقد أن هذا الدير، أقيم في موقع مر فيه يسوع المسيح، على طريق عودته من منطقة الديكابولس. وقد كشفت عمليات التنقيب عن مواقع أخرى، كانت تضم أدياراً، كدير الكرسي. كما بينت وقفية لالا باشا أسماء عدد من الأديرة المندثرة مثل دير سيرقان قرب القنيطرة، ودير قوفان، ودير الصوان، ودير فطم الحصى، وقرية الدوير قرب بانياس، ودير جفنة، الذي يشير اسمه إلى أول ملك غساني اعتنق المسيحية.
يعرف الكاتبان أيضاً، وإن بشكل مقتضب، ببعض الرموز المسيحية، فبالإضافة إلى تلاميذ المسيح الخمسة آنفي الذكر، يعرفانا بمكسيموس الحكيم الجولاني، والأسقف فيلوكالوس البانياسي،والاسقف نرقيس، والأسقف مرتيريوس، وباروخيوس، وأوليمبوس، والقديس أراستس، والقديس بروكوبيوس البانياسي، والقديس غريغوريوس البانياسي الديكوبوليتي.
والكتاب مع كل هذا صغير الحجم، يقع في 111 صفحة من الحجم المتوسط ، وتضم صفحاته الأخيرة بعض الصور الفوتوغرافية، لعدداً من الآثار الثابتة والمنقولة، في المواقع الرئيسية التي يركز عليها البحث.
لا شك أن موقعي بانياس والحمة، معروفان بشكل جيد للجمهور المحلي، أما موقع بيت صيدا، فيمكن الصول إليه عبر إتباع الطريق المنحدر قرب مستوطنة (حاد نيس) باتجاه طبريا، فقبل انتهاء هذا الطريق عند المفترق ب200 م أو أكثر، هناك مدخل ترابي على اليمين، يقود إلى الموقع. أما الكرسي، فيقع على المنحدر المطل على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا، جنوب مصب وادي السمك، وقريباً من مستوطنة (معالي جملا). وتقع مدينة سوسيتا على تل يبعد 2 كم عن بحيرة طبريا، مقابل موقع (عين كيف) من جهة البحيرة، وقريباً من كفر حارب، أذا اتخذنا الطريق الجنوبي في الجولان للوصول إلى الموقع.

عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا